pregnancy
آخر الأخبار

مجلة كندية: المكتب الشريف للفوسفاط "غارق في المال" والعديد من المزارعين لا يستطيعون اقتناء أسمدته



من الصعب الا تستوقفك المفارقة  بين التقدم والتقليد وأنت جالس في المقعد الخلفي لسيارة أجرة قديمة وهي تخترق أزقة المدينة العتيقة في اتجاه المنطقة السياحية الراقية في مدينة مراكش.
ولعل أكثر ما يثير الإنتباه أن الأسواق الأمازيغية والمراكز التجارية البدوية التقليدية، أصبحت اليوم تعج بالحافلات السياحية الأوروبية والسيارات الرياضية البراقة، في طريقها إلى المولات الحديثة ومنتجعات الغولف.
إن المدينة العتيقة تمثل على أكثر من صعيد نموذجا مصغرا للمغرب، بما تجسده من تجاذب بين التصنيع والأساليب التقليدية، والتداعيات السياسية الناجمة عن ذلك.
ومع ذلك يجدر التأكيد أن أهم موارد المملكة تأتي من صخور الفوسفاط، وهذا يفسر كون الشركة المالكة لأسمدته  ــ المكتب الشريف للفوسفاط، وهي شركة تابعة للدولة ــ تستضيف مؤتمرا كبيرا كل عامين يعرف بالمنتدى الدولي (Symphos) للابتكار التكنولوجي والعلمي في مجال صناعة الفوسفاط .
مركب الجرف الأصفر
ثمة أمور قليلة تظهر في المؤتمر. أولها أن المكتب الشريف للفوسفاط يحتكر قطاع الفوسفاط في المغرب، لذلك فإن المؤتمر لا يستضيف أي ممثل لمنافسيه في قطاع الأسمدة على الصعيد الدولي، أو شركات التنقيب الصغرى، أو المؤسسات المالية الكبرى. بل إن معظم المشاركين من الشركات التي تشكل جزءًا من سلسلة التوريد، سواء بصفتهم متعاقدين مع المكتب الشريف للفوسفاط، أو مؤتمرين جدد يرغبون في ربط العلاقة معه.
المسألة الثانية هي أن المكتب الشريف للفوسفاط لم يدرج في البورصة، وبالتالي فإنه غير ملزم بالكشف عن الكثير من المعلومات بخصوص أنشطته. لذلك فإن النقاشات حول عمليات التعدين والنتائج المالية للشركة ومشاريعها الرأسمالية قليلة للغاية. تكون إدارة الشركة محترزة خلال هذا الحدث، وتبدو ميالة أكثر إلى الحديث عن الابتكار التكنولوجي والزراعة المستدامة من الحديث عن معاملاتها.
وقال مدير الابحاث والتنمية في المكتب الشريف للفوسفاط، رشيد بوليف، عند طرحه لأرضية المؤتمر: "إن أحد المحاور التي نركز عليها هنا هي علوم الصناعة، والطلب المتزايد في إفريقيا"، ثم استطرد قائلا: "يشارك معنا العديد من الحاضرين والمتدخلين من لجان تقنية رفيعة المستوى، ونولي اهتماما بالغا بإسهاماتهم في ما يتعلق بمنتجات الأسمدة الجديدة، والابتكارات بخصوص الطلب على المنتجات والمنتجات الثانوية، والنمو الديمغرافي في المنطقة".
وذكر المكتب الشريف للفوسفاط  أن عائداته خلال النصف الأول من 2015 بلغت 2.5 مليار دولار، مع تسجيل أرباح قبل احتساب الفوائد والضريبة والإستهلاكات ونقص القيمة بمبلغ 479 مليون دولار خلال الربع الثاني من السنة. وتمكنت الشركة من التقليل من آثار انخفاض مؤقت لواردات الأسمدة البرازيلية من خلال مضاعفة مبيعاتها إلى أفريقيا.
وأبرز بوليف أن المكتب الشريف للفوسفاط  يسعى الى استثمارات تقدر بحوالي 20 مليار دولار بهدف مضاعفة الاستخراج المنجمي مرتين، وإنتاج الأسمدة ثلاث مرات، وزيادة الطلب المحلي.
وستعمل الشركة على تجميع المنتجين الأفارقة للمواد الخام والمواد الأولية، والقطع مع الهيمنة التاريخية للشركات الغربية على سلسلة القيمة المضافة. حيث أن الفوسفاط المغربي، مع الموارد التي تأتي من الدول الأفريقية الأخرى، يمكن أن يوفروا الأسمدة بأسعار مناسبة أكثر للمزارعين المحليين.
وعلى الصعيد الدولي تسيطر الشركات الكبرى والدول النامية على دينامية العرض والطلب في تجارة الأسمدة الفوسفاطية والمنتوجات المرتبطة بها.
وفي الماضي كان المجمع الشريف للفوسفاط يبيع 1.5 مليون طن من الأسمدة في ثلاثة أشهر، ولكنه تقدم بخطوة وحقق مليون طن إضافي، ويهدف الآن إلى انتاج مليوني طن العام المقبل. وقالت الشركة في ندوتها الصحفية الهاتفية الفصلية "إن إنتاج الأسمدة سوف يصل إلى 10 مليون طن في عام 2017، وبذلك سيصبح أكبر منتج في العالم".
وقال "جويل جاكسون"، وهو محلل ومدير الأبحاث الكيماوية والأسمدة في شركة (  BMO Capital Markets): "إن المشكلة تكمن في كون الصين تحتل مكانة مهمة في إنتاج الفوسفاط في العالم، لكن معظم ما تنتجه يبقى في عين المكان"، مضيفا أن "هناك الكثير من الأسواق العالمية، ولكن الأسواق المهمة هي دول مثل البرازيل، والهند التي تمثل من 30 إلى 50٪ من كل المنتوجات المرتبطة بالفوسفاط".
مركب لتصنيع الفوسفاط بخريبكة
وفيما يخص الصادرات قال جاكسون: "نرى أن معظمها يأتي من الصين وفلوريدا والمغرب. وكذلك الهند، حيث أن لديها الكثير من الإنتاج المحلي، لكنها تفتقر إلى صخور الفوسفاط، ولذلك فإنها تعتبر في ذات الآن منافساً وزبوناً للمغرب وشركات أمريكا الشمالية. إنها ديناميكية غريبة بالنظر للتكاليف الحدية للإنتاج، أو عندما تنخفض الأسعار. فكم تكلفها صناعة الأسمدة الفوسفاطية للهند إذا كانت تستورد جميع المواد الخام؟" يتساءل جاكسون.
وبلغ سعر صخور الفوسفاط 115 دولار للطن في غشت الماضي، وهو أهم انخفاض بعد أن كان 440 دولارا للطن سنة 2008.
إن طبيعة إنتاج الأسمدة تفسر كون معظم مراكز التعدين الرئيسية قريبة من موانئ الشحن، بحيث يسهل استيراد الأمونيال والكبريت لتحسين جودة صخور الفوسفاط. بيد أن المغرب يتوفر على منتوجات جيدة، فضلا عن صخور ذات جودة أعلى.
ولأن تطوير مراكز متكاملة لمعالجة الأسمدة مكلف جدا، فإن عدداً من شركات أمريكا الشمالية تفضل استيراد الفوسفاط من المغرب. على سبيل المثال، ذكرت منظمة مراقبة الثروات الطبيعية في الصحراء الغربية أن شركتي (Agrium (TSX: AGU; NYSE: AGU) الكندية كانت أكبر مستورد من منجم فوسبوكراع سنة 2014، حيث قامت باقتناء أكثر من 779،000 طن من المواد.
واعتبرت هذه الممارسة مشبوهة من طرف بعض المنظمات الدولية، منذ أن بدأت جهات في الصحراء الغربية تطالب بالاستقلال عن المغرب، بمن فيهم السكان الصحراويون الأصليون. ومنذ خمس سنوات، توقفت الشركة الأمريكية (Mosaic (NYSE: MOS) عن استيراد الفوسفاط من المغرب بسبب المعيقات السوسيوسياسية.
ولم يبد بوليف اي تعليق على المشاكل الاجتماعية الضمنية ، لكنه قال إن المكتب الشريف للفوسفاط ملتزم بالتنمية المستدامة والمسؤولة في افريقيا.
وقال المدير التنفيذي للمكتب الشريف للفوسفاط، مصطفى التراب، في الندوة الصحفية الهاتفية الفصلية إنه يتوقع أن يستفيد المجمع من ركائز سوق الفوسفاط التي من شأنها أن تعوض أي تقلبات يمكن أن تحدث داخل السوق.
وأشار جاكسون إلى أننا بصدد "الجزء السفلي من دورة البضاعة"، والتي "تتميز بالتراجع الذي تعيشه البضاعة على الصعيد العالمي، مقابل انخفاض في العملات، ذلك أننا بصدد انخفاض في الطلب على الكثير من المواد المغذية والأسمدة التي تشهد فائضا في العرض".
وتابع جاكسون أن "الأسعار ارتفعت فعلا على مدى العقد الماضي، وتسببت في تزايد كبير في القدرة إلى درجة أننا بتنا اليوم نفوق الطلب. لذلك فإن خطر الإضطرابات يتهدد الأسواق الحالية. وقد رأيتم شركة (Potash Corp. of Saskatchewan (TSX: POT; NYSE: POT)  وهي تحاول شراء شركة (K+S) في محاولة للسيطرة على بعض مراكز الإمداد الناشئة. إن الكثير من عمليات الاندماج والاستحواذ بين المقاولات إنما مردها إلى صعوبات السوق والظروف المكروقتصادية الصعبة، وسعي بعض المقاولات الرائدة في الصناعة إلى السيطرة على العروض الجديدة".
وعلى الرغم من هيمنة اللاعبين الكبار على قطاع الفوسفاط، فإن ثمة شركات صغرى تحمل مشاريع معتبرة في الأمريكتين. على سبيل المثال شركة (Stonegate Agricom (TSX: ST; US-OTC: SNRCF، التي تسعى للترخيص لمشروعها الفوسفاطي (Paris Hills) في ولاية ايداهو، رغم أن سعر سهمها انخفض بنسبة 87٪ في العام على أساس سنوى يقدر بسنتيمين للسهم الواحد.
وكذلك شركة "أريان الفوسفاط"، في "كيبيك"، التي تسعى في تمويل التنمية في مشروعها الفوسفاطي (Lac à Paul) في جهة (Saguenay–Lac-St-Jean). هذه الشركة هي واحدة من الشركات الواعدة في قطاع الأسمدة، وقد حققت ارتفاعا في سعر سهمها بنسبة 58٪ هذا العام.
وفي جنوب "البيرو"، تتعامل الشركة الكندية  (Vancouver-based Focus Ventures (TSXV: FCV)  مع السوق من زاوية مختلفة في مشروعها بويفار 12، الواقع على بعد 80 كلم من "بيورا". وتتطلع إلى تطوير قائم على إنتاج مركزات الفوسفاط الصخري كاسمدة.
وفي هذا الصدد قال المدير التنفيذي للشركة، "ديفيد كاس"، في حديث صحفي: "نبحث عن صخرة شديدة التفاعل لا تتطلب الطحن أو التعويم، وهذا هو الفوسفاط الصخري الطبيعي وفقا لتصنيفات الصادرات البرازيلية".
واسترسل "كاس" بخصوص الفوسفاط الصخري الطبيعي أن يحتل "جزءًا صغيرا من السوق، وهو أفضل من المحاصيل المعمرة التي تنمو على مدى سنوات عديدة، مثل أشجار النخيل"، وتابع أنه "ميال إلى أن يكون منتوجا ينتج محليا ويباع محليا، ولأنه منتوج عضوي، فإنه في حاجة إلى المزيد من الأسواق المتخصصة".
وتابع كاس أن "ما تعلمناه هو أن قيمته الحقيقية تكمن في إعادة إغناء المكونات المغذية للتربة. وبالتالي يمثل نوعا من الاستثمار في الأرض، لأن الأمر لا يتطلب مجرد 'ضربة واحدة'، مثل الأسمدة السائلة، حتى تحصل على تراكم تدريجي في قيمة المواد المغذية في التربة ".
وعن الفوسفاط بشكل عام يعتبر لمحلل جاكسون من أكثر المشككين بخصوص تطوره، وإذ يرى أن العالم "لا يفتقر إلى صخور الفوسفاط"، وأن "هناك مشاريع تم انجازها على مدى العشر سنوات الماضية" فإنه يعتبر أن "الحواجز المتعلقة برأس المال، والمخاوف بخصوص المنتجات جعلت الإنتاج حكرا على كبار اللاعبين".
واستنادا إلى النموذج الفاخر الذي يمثله منتدى (Symphos)، فمن الواضح أن المكتب الشريف للفوسفاط " غارق في المال". فقد قال مشارك في المؤتمر كممثل لشركة أوروبية هندسية كبرى، طلب عدم ذكر اسمه، إن المغرب يحمل بامتياز لقب "المملكة العربية لسعودية للفوسفاط".
ولكن فخامة قاعات المؤتمر المكيفة لا تتوافق مع الجدران الترابية البدوية لأحياء المدينة العتيقة، ومع كون العديد من المزارعين المغاربة لا تستطيعون اقتناء الأسمدة التي تشكل العمود الفقري للثروة المحلية.